تجاوز المحتوى

إنترنت الأشياء.. مستقبل واعد لحياةٍ ذكيّة

زاهر هاشم *

شهدت الألفيّة الثالثة انطلاق ثورة صناعيّة جديدة، عرفت باسم الثورة الصناعية الرابعة، تميزت بطفرة هائلة في تقنيات الاتصال والشبكات وتطوّر الإنترنت، إلى جانب تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتحكّم عن بعد، والمركبات والآلات ذاتية الحركة.

وقد تطوّرت شبكة الإنترنت تطورًا كبيرًا، ولم يعد دورها مقتصرًا على تصفح المعلومات، واستخدام خدمات الاتصال المكتوب والصوتي والمرئي، بل تعدّى ذلك إلى إمكانية ربط الأشياء بعضها ببعضٍ من خلال توصيلها بالشبكة، واستقبال وإرسال الأوامر إلى أجهزة بعيدة من خلالها. وهو ما اصطلح على تسميته “إنترنت الأشياء” (Internet of Things).

وتشير المعلومات إلى أن مصطلح “إنترنت الأشياء” (IoT) قد ظهر للمرة الأولى عام 1999، ضمن عرضٍ تقديمي قدّمه “كيفن أشتون” المؤسّس المشارك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ويعتبر إنترنت الأشياء أحد أهم معالم الثورة الصناعية الرابعة.

ماذا يعني إنترنت الأشياء؟

إن إنترنت الأشياء في الواقع، وعلى الرغم من التقنيات المتطورة والنظم المعقدة التي تحكمه، هو مفهوم بسيط للغاية، فهو يعني ربط جميع الأشياء في العالم بالإنترنت.

إذن هناك أمور كثيرة يمكننا القيام بها بمجرد وصل أشياء مثل جهاز الكمبيوتر أو الجهاز اللوحي أو الهاتف المحمول مع الانترنت، ولكن هل ينطبق هذا على كل شيء؟ نعم، بكل بساطة يمكنكم ربط كل شيء مع الإنترنت.

وإنترنت الأشياء هو عبارة عن شبكة من أجهزة الكمبيوتر والأجهزة والأشياء الذكيّة التي تَجمَع وتتشارك كمياتٍ هائلة من البيانات، يتم إرسال البيانات التي تمّ جمعها، إلى خدمة مركزية قائمة على السحابة حيث يتم إلحاقها مع بيانات أخرى، ومن ثم مشاركتها مع المستخدمين النهائيين بطريقة مفيدة.

ويمكننا تصنيف جميع الأشياء التي يمكن أن تتصل بالإنترنت في ثلاث فئات: الأشياء التي تجمع المعلومات ثم ترسلها، والأشياء التي تتلقى معلومات ثم تعمل عليها، والأشياء التي ترسل وتتلقى المعلومات على حد سواء.

يتم جمع وإرسال المعلومات من خلال أجهزة استشعار، يمكن أن تكون أجهزة الاستشعار حساسات لدرجة الحرارة، أو الرطوبة، أو نوعية الهواء، أو الضوء، أو العلامات الحيوية للمرضى، أو أجهزة استشعار الحركة والقياس في المصانع ووسائل النقل، وغيرها، تتيح لنا هذه المستشعرات، جنبًا إلى جنب مع شبكات الاتصال، القدرة على جمع وإرسال المعلومات تلقائيًا من البيئة المحيطة إلى أنظمة التخزين والمراقبة والمعالجة، التي تتيح لنا بدورنا اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.

وتنشأ القوة الحقيقية لإنترنت الأشياء عندما يمكن للأجهزة المتصلة، جمع وإرسال المعلومات، وتلقي وتنفيذ المهام في آن واحد، إضافة إلى تخزين المعلومات الكبيرة وتحليلها والاستفادة منها في التخطيط للمستقبل.

على سبيل المثال يمكن في المدن الذكيّة التحكم بحركة السير عن طريق إشارات مرور متصلة عبر شبكة الانترنت بمراكز بيانات ضخمة، تقوم بإرسال معلومات عن كثافة السير لاتخاذ إجراءات فورية بفتح وإغلاق شوارع محددة، عدا عن استخدام هذه البيانات وتحليلها للبحث عن حلول أفضل عند تطوير المدن الحالية والتخطيط لمدن جديدة.

أيضًا، إذا كان نظام الري في المزارع الحديثة يتلقى معلومات حول الطقس من مراكز الرصد الجوي من خلال اتصاله بالإنترنت، فبإمكانه معرفة وقت هطول الأمطار ويقرر عدم سقاية المحاصيل اليوم في حال كانت المعلومات الواردة تشير إلى هطول المطر، ما يوفر الجهد والمال، عدا عن ترشيد استخدام المياه، والاستفادة من البيانات المجمّعة في رسم خرائط الطقس والتنبؤ بالظواهر الجوية قبل حدوثها.

كما يساعد إنترنت الأشياء في القطاع الصحي على مراقبة المرضى واستقبال العلامات الحيوية مثل الضغط ونسبة السكر ودرجة الحرارة وسرعة ضربات القلب، من المرضى عن بعد، وتخزينها في مراكز البيانات، بحيث يتم تحليلها بهدف الكشف عن الأمراض، والتصرف في الوقت المناسب، أما على المدى البعيد فسوف تساعد هذه البيانات التي يتم جمعها بسرعة قياسية، على تحقيق قفزات كبرى في العلم والطب، وتحسين الصحة على المستوى العالمي.

تطبيقات انترنت الأشياء في الصناعة: 

يعتبر إنترنت الأشياء الصّناعي (Industrial IoT – IIoT)، أحد أنماط تطبيقات إنترنت الأشياء الخاصة بالآلات الصناعيّة.

وبدلاً من أتمتة عمليات التصنيع التي شكلت عماد الثورة الصناعية الثالثة، فإن إنترنت الأشياء الصناعي يهدف إلى استقلالية عمليات التصنيع في كافة مراحلها، دون أي تدخل بشري بشكل مباشر، وهو ما شكل أساس الثورة الصناعية الرابعة، بمساعدة تقنيات تعليم الآلة والذكاء الاصطناعي.

يمزج إنترنت الأشياء الصناعي بين الآلات، أو أجزاء معينة من المعدّات، مع التقنيات الذكيّة وإنترنت الأشياء، بما في ذلك تقنيات “من آلة إلى آلة” (M2M) التي تسمح للآلات بإرسال البيانات ذهابًا وإيابًا أو “التحدث فيما بينهم”.

يقوم الإنترنت الصناعي بإنجاز عدد من المهام المحددة، مثل جمع البيانات، والتواصل بين آلتين، وتحليل البيانات الكبيرة، ويشمل إنترنت الأشياء الصّناعي جميع أجهزة الاستشعار والأجهزة والآلات التي تسهم في العمليات المادية في البيئات الصناعية، وفي تعزيز التصنيع والعمليات الإنتاجية، على النقيض من ذلك، عندما يتحدث الناس عن إنترنت الأشياء بشكل عام، فكثيرًا ما يفكّرون في الأجهزة المنزلية الذكيّة المرتبطة معًا لتوفير وسائل الراحة للمستهلك.

يتم تطبيق الإنترنت الصناعي أيضًا على مشاريع النقل، مثل المركبات ذاتية القيادة وأنظمة السكك الحديديّة الذكيّة.

عند توصيل الآلات بالإنترنت يمكننا الحصول على بيانات من هذه الآلات، واستخدام هذه البيانات في تحسين الكفاءة وإمكانية التوسع في الإنتاج، وتوفير الوقت وتوفير التكاليف للمؤسسات الصناعية بشكل كبير، تستفيد الشركات بالفعل من الإنترنت الصناعي للأشياء من خلال توفير التكاليف عبر الصيانة التنبؤية وتحسين السلامة وكفاءة التشغيل، كما تسمح شبكات الإنترنت الصناعي للآلات الذكيّة بالدخول إلى قواعد البيانات المفتوحة والتواصل مع جميع البيانات والعمليات والأشخاص، ويمكن للإدارات العليا استخدام هذه البيانات للحصول على رؤية كاملة ودقيقة لكيفية عمل المؤسّسة، لمساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل.

العالم في راحة يدك

بدءًا من تخزين مقاطع مصوّرة، أو كتب إلكترونية، على سحابة تخزين، وإمكانية فتحها و تشغيلها من أي جهاز متصل بالإنترنت في أي مكان في العالم، إلى إمكانية التحكم بجميع الأجهزة المنزلية من خلال هواتفكم المحمولة، وأنتم تقضون الإجازة الأسبوعية بعيدًا عن المنزل، وصولاً إلى الآلات المعقّدة وأجهزة التحكّم الصناعي، ووسائل النقل والمواصلات، يؤثر إنترنت الأشياء بطريقة ثورية على أسلوب حياتنا، وطريقة عمل وإدارة قطاعات الأعمال على اختلاف أنواعها ومستوياتها، سواء في المصانع أو المؤسسات التعليمية أو المستشفيات، حيث يؤدي التكامل وتشارك المعلومات والبيانات بين أجزاء الأنظمة المختلفة، والتحكم عن بعد بالأجهزة والآليات، إلى نتائج أكثر جودة، مع التقليل من تكاليف التطوير والتنقل والصيانة، وتحسين جودة حياة السكان، وتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتوفير موارد الطبيعة، والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تحسين الأمن، من خلال أنظمة المراقبة الذكيّة وأجهزة الإنذار المتطورة.

ولعل الأكثر تشويقًا وإثارةً أن تتحول منازلنا إلى منازل ذكية، يمكننا التحكم بها من خلال إنترنت الأشياء، بحيث نراقب جميع الأجهزة في المنزل من خلال تطبيقات متصلة بالإنترنت، تتلقى الإشارات من هذه الأجهزة وتستقبل أوامر التشغيل أو تتصرف بمفردها بناء على معطيات سابقة.

حياة ذكيّة بدأنا نعيشها، وقد نجدها في وقت قريب في كل بيت، ستجعلنا نتحكم بالكثير من الأشياء وننجز أعمالنا بشكل كامل من خلال أجهزة صغيرة نحملها في جيوبنا، فما كان جزءًا من أفلام الخيال العلمي أصبح واقعًا قريبًا من الجميع.

—-

* إعلامي سوري متخصص في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي

منشور في مجلة لغة العصر – العدد 223 يوليو 2019

Published inرقميات

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.