زاهر هاشم *
يعرّف التحوّل الرقمي (Digital Transformation) بأنه عملية دمج التكنولوجيا الرقمية مع كافة مجالات الأعمال، واندماج التقنية في جميع جوانب الحياة البشرية والمجتمع، وذلك بهدف تحسين كفاءة التشغيل، وزيادة الإنتاجية، وتقليل الأخطاء، وتحسين جودة المنتجات، وابتكار منتجات جديدة، وتقديم خدمات أفضل للعملاء.
ولا تقتصر أهمية التحوّل الرقمي على الشركات الكبرى والقطاعات الحكومية، بل أنها أصبحت ضرورة للشركات كافة، وذلك كي تبقى هذه الشركات قادرة على المنافسة، خصوصًا مع التطور التكنولوجي الكبير والثورة الرقمية التي يشهدها العالم.
يشير التحوّل الرقمي إلى كيفية قيام الشركة بتحويل عملياتها التجارية الأساسية باستخدام التكنولوجيا الرقمية من أجل المنافسة واكتساب تميّز في قطاع السوق، كما يشير إلى تبسيط العمليات التجارية باستخدام أجهزة وتطبيقات الكمبيوتر والأجهزة الرقمية، لتحقيق المزيد من التعاون والتفاعل وكسب ثقة وولاء العملاء.
فوائد وتأثيرات التحوّل الرقمي
يشير تقرير أعدته شركة “فورستر” للأبحاث (Forrester)، بعنوان “حالة الأعمال الرقمية 2016 إلى 2020” إلى أن نسبة 46 في المائة من المديرين التنفيذين الذين شملهم الاستطلاع، متفائلون بشكل كبير بشأن التحوّل الرقمي، وأن هذا التحوّل سيؤثر في أقل من خمس سنوات على أكثر من نصف مبيعاتهم، ما يوحي بوعي كبير بإمكانية تغيير التكنولوجيا الرقمية للأعمال اليوم، وتوقّع أن تنجح هذه الشركات في إحداث التحوّل اللازم.
ولعل أكثر ما يبرر هذه التوقعات المتفائلة تجاه عملية التحوّل الرقمي، هو النتائج الفعلية التي حققتها الشركات جراء هذا التحوّل، حيث يوفر التحوّل الرقمي التكلفة والجهد بشكل كبير، ويخلق الفرص للابتكار والتطوير، ويساعد قطاعات الأعمال على الوصول إلى شرائح وفئات أكبر من الجمهور، وتحسين كفاءة التشغيل وتحسين الجودة.
يعمل التحوّل الرقمي على تغيير الطريقة التي يتم بها تنفيذ الأعمال، وتخلق الشركات من جميع الأنواع طرقًا ذكية وفعالة للاستفادة من التكنولوجيا، ولعل شركة نيتفليكس (Netflix) للبث الرقمي أبرز مثال على ذلك، حيث بدأت كخدمة بيع وتأجير الأقراص المدمجة عبر البريد، واستفادت من الابتكارات الرقمية لتوفير محتوى الفيديو على نطاق واسع من خلال شبكات البث التلفزيوني والكابل التقليدية، وصولًا إلى خدمات البث عبر الانترنت، لتقدم مكتبة متنامية من المحتوى الرقمي عند الطلب، بأسعار منافسة للغاية.
لقد حقق التحوّل الرقمي لشركة نيتفليكس القدرة ليس فقط على بث محتوى الفيديو مباشرة إلى العملاء، ولكن أيضًا القدرة على جمع البيانات الضخمة بغرض تعلّم عادات وتفضيلات المشاهدين، والمدفوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتستخدم تلك البيانات لتطوير تجربة المستخدم وتطوير العروض والأفلام.
عناصر التحوّل الرقمي
يتضمن التحوّل الرقمي مجموعة من العناصر المترابطة، وتعد التقنية أهم وأول هذه العناصر، وتتضمن منظومة من الأجهزة والبرمجيات المتكاملة، ووسائط تخزين البيانات، والشبكات.
توفر المنصات المحمولة إمكانية العمل في أي مكان وزمان، كما أن برامج معالجة وتحليل البيانات تعمل على توفير تقنيات التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي وتوفر للمؤسسات رؤى لاتخاذ قرارات أكثر دقة حول المبيعات والتسويق وتطوير المنتجات وغيرها من المجالات الاستراتيجية.
تشمل التقنيات الأخرى التي تدفع عملية تحوّل الأعمال، تقنية بلوك تشين Blockchain، والواقع المعزز والواقع الافتراضي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وإنترنت الأشياء.
كما يعتمد التحوّل الرقمي أيضًا على جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات الدقيقة والموثوقة والمنظمة، بحيث يمكن من خلالها ابتكار وتقديم منتجات وخدمات فريدة، والتغلب على الأخطاء والمشاكل، والتنبؤ بالمستقبل، ويتحقق ذلك من خلال التكامل مع تقنيات انترنت الأشياء والاستفادة من الخدمات السحابية، التي تمنح المؤسسة وصولًا أسرع إلى برامجها المطلوبة، ووظائفها وتحديثاتها الجديدة، إلى جانب تخزين البيانات الهائلة.
كما تعتبر الموارد البشرية وتوفير الأفراد المؤهلين بخبرات مناسبة، والقادرين على استخدام التقنيات الحديثة وتحليل البيانات ووضع الخطط والاستراتيجيات، من العناصر الأساسية لعملية التحوّل الرقمي، والتي يجب على الشركات الاستعداد لها.
تحديات التحوّل الرقمي
على الرغم من إدراك أهمية التحوّل الرقمي لدى شريحة واسعة من أصحاب الأعمال؛ فإن مرحلة التنفيذ لا تخلو من بعض العوائق والتحديات.
ويعتبر التمويل هو العائق الأكثر شيوعًا أمام العمل نحو استراتيجية رقمية محسّنة، فإذا لم تقم المؤسسة بدراسة الميزانية المناسبة للتقنيات الجديدة، فقد تواجه مشكلات أثناء مرحلة التنفيذ.
تعتمد الأعمال في العصر الرقمي على بنية معقدة من التقنيات للحفاظ على الإنتاجية والكفاءة التشغيلية، ولا تزال العديد من المؤسسات تكافح مع التقنيات القديمة، والتي لا يمكن استبدالها بسهولة، وقد تكون غير راغبة في تخصيص الأموال لاستبدال التقنيات القديمة.
تواجه قطاعات كثيرة أيضًا صعوبة في إيجاد قيادات عليا على المستوى التنفيذي ومستوى مجلس الإدارة تكون مؤهلة لتوجيه هذا التحوّل؛ كما لا يستطيع الكثيرون العثور على موظفين في قطاع تكنولوجيا المعلومات لديهم في آن واحد ما يكفي من المعرفة الصناعية والقدرة على تنفيذ المهام في مشاريع التحوّل الرقمي.
التحوّل الرقمي وتحديات أمن المعلومات
لم تعد الأنظمة المعلوماتية أنظمة مغلقة كما كانت قبل وقت قريب، حيث يصل عدد الأجهزة والأشياء المتصلة بالإنترنت اليوم ما يقارب 8.4 مليار جهاز وشيء، وبحسب تقديرات شركة سيسكو فإن هذا العدد مرشح ليصل إلى 500 مليار في العام 2030.
وتعتبر كل نقطة اتصال أو جمع أو تخزين للبيانات بوابة محتملة للهجمات الإلكترونية، ومع العدد الهائل من هذه النقاط، يمكننا تصور حجم وتعقيد الهجمات التي يمكن أن تؤثر على منظومة المعلومات وقد تؤدي إلى انهيارها، لذلك يشكل أمن المعلومات الهاجس الأكبر للشركات عند التفكير بالتحوّل الرقمي.
ويرى “مارك دارمون” نائب الرئيس التنفيذي لنظم المعلومات والاتصالات الآمنة لشركة تاليس أن أمن المعلومات يعتبر الركيزة الأساسية لأيّ تحول رقميّ، حيث تستند إليه المصداقية الرقمية للشركات والمؤسسات، ويشير “دارمون” إلى مجموعة أسس كبيرة يجب أن تعمل عليها المنظمات لبناء الثقة في عملية التحوّل الرقمي، أولها إدماج أمن الفضاء الإلكتروني “السيبراني” بالتزامن مع عملية تصميم المنظومات المعلوماتية وقبل البدء بالتنفيذ، وإجراء فحص أمني منتظم، لتحديد نقاط الضعف المحتملة، وتطبيق إجراءات السلامة المعلوماتية، ونشر حلول تكفل مراقبة الفضاء الإلكتروني من خلال مراكز إشراف خاصة بالأمن الرقمي، وتحقيقات الكشف عن الهجمات، مدعومة بمعرفة تقنية عميقة بالتهديدات من أجل كشفها. كما تعتبر الخبرة البشرية ذات أهمية بالغة في مجال أمن المعلومات، ما يستدعي إثرائها وجلب المزيد من المواهب نحو هذه المهن التي يجب التذكير بقيمتها المجتمعية وفائدتها التكنولوجية.
—-
* إعلامي سوري متخصص في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي
تم نشر المقال في مجلة لغة العصر – مؤسسة الأهرام – عدد 225 سبتمبر 2019
كن أول من يعلق على المقالة