زاهر هاشم
يتجاوز التعليم الإلكتروني حدود الزمان والمكان، ليتيح للطلاب متابعة تحصيلهم العلمي، أو الالتحاق بدورات تدريبية لتعزيز مهاراتهم وزيادة خبراتهم، دون الحاجة إلى الانتقال لمسافات بعيدة أو الانقطاع عن العمل أو تحمل نفقات إضافية، نظرًا لما يتمتع به هذا النوع من التعليم من مرونة في اختيار أوقات الدراسة، واستخدام التقنيات الحديثة في الشرح والمناقشة والتواصل مع المدرسين وتنفيذ الواجبات والاختبارات.
وإذا كانت بعض المؤسسات التعليمية تقدّم التعليم الإلكتروني بشكل جزئي من خلال بعض الدروس أو التمارين أو الشروح التكميلية، أو تقديم دورات تعليمية تعزّز مهارات ما بعد التخرج لدى الطلاب، إلا أنه ومع انتشار وباء كورونا مطلع العام الحالي، اضطرت معظم المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة، إلى إغلاق أبوابها في ظل إجراءات صارمة فرضت التباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل في محاولة للحد من انتشار الوباء والتخفيف من آثاره.
ويشير “مختار ديوب” نائب رئيس البنك الدولي، في مقالة نشرت مؤخرًا، إلى أن نحو مليار ونصف طفل في العالم أصبحوا بحاجة إلى التعليم من خلال الإنترنت بسبب جائحة فيروس كورونا، وفي إطار مكافحة هذه الجائحة، تأتي التكنولوجيا الرقمية في الصدارة، الأمر الذي يتطلب توفير تكنولوجيا جديدة للجميع وربط العالم بأسره بشبكة الإنترنت، وتعزيز التحول الرقمي خصوصًا في البلدان النامية.
ويرى “سالوني جانكار” كبير محللي الأبحاث في مؤسسة “جلوبال ماركت إينسايتس” ومقرها ولاية ديلاوير الأمريكية، أن المدارس والشركات باتت تركّز على اعتماد التدريب الافتراضي، وعقد المؤتمرات عبر الفيديو، وبرامج التعليم عبر الانترنت، لتحسين تجربة المشاركة والتعلّم بين الطلاب.
وبحسب “جلوبال ماركت إنسايتس” فقد تجاوز سوق التعليم الإلكتروني العالمي أكثر من 200 مليار دولار أمريكي عام 2019، ومن المتوقع أن يتجاوز عتبة 375 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026.
وتشير بوابة “ستاتيستا” الألمانية المتخصصة بالإحصائيات وتحليل البيانات، إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز سوق التعليم الإلكتروني في جميع أنحاء العالم 243 مليار دولار بحلول عام 2022.
أشكال التعليم الإلكتروني
يمكن تقديم التعليم الإلكتروني من خلال عدة أنماط أبرزها:
– التعليم القائم على الكمبيوتر: يستخدم هذا المصطلح لأي نوع من التعليم يتم بمساعدة أجهزة الكمبيوتر وتطبيقاتها، سواء تم من داخل القاعات الدرسية أو عن بعد، ويستفيد هذا النمط من التعليم من المزايا التفاعلية لتطبيقات الكمبيوتر والقدرة على تقديم وسائط متعددة للمستخدمين.
– التعليم القائم على الويب (WBT): يعتمد هذا الشكل من التعليم على متصفح الانترنت، من خلال تقنيات تتضمن تدفق الصوت والفيديو والندوات عبر الإنترنت ومنتديات النقاش، والمراسلة الفورية. تقدم المدارس الافتراضية فصولًا متزامنة وغير متزامنة، ويجب على الطلاب تنفيذ مهام منتظمة، والخضوع لاختبارات، وهو الشكل الأكثر اعتمادًا من قبل المؤسسات التعليمية والجامعات في تدريس مناهجها، سواء كنظام تعليم إلكتروني كامل تعتمده هذه المؤسسات، أو تلجأ إليه كنظام مكمّل لمناهجها الدراسية خصوصًا في فترة تعليق الدراسة.
– المساقات المفتوحة على الانترنت (MOOC): تعد المساقات الضخمة المفتوحة عبر الإنترنت Massive Open Online Courses))، دورات تدريبية تتيح الوصول المفتوح لعدد كبير من المتدربين قد يصل إلى الآلاف في كل مساق، والمشاركة التفاعلية عبر الانترنت، ويزود هذا النظام المشاركين بمواد دراسية تستخدم عادة في بيئة التعليم التقليدية، مثل المحاضرات ومقاطع الفيديو والمواد الدراسية، إضافة لوجود منتديات تفاعلية مفيدة للغاية في بناء مجتمع للطلاب والاساتذة بشكل عام.
توفّر منصات الدورات المفتوحة عبر الإنترنت مواد دراسية عالية الجودة، فهناك أكثر من مليوني طالب مسجلين في دورات في موقع “كورسيرا” بالتعاون مع أكثر من 30 جامعة (من بينها ستانفورد وميتشيجان وبرينستون)، وبعضها يتبع مباشرة لجامعات عريقة مثل موقع “إيديكس” (EdX) الذي أطلقته كل من جامعة هارفارد الأمريكية ومعهد ماساتشوستس للتقنية.
لكن من أبرز عيوب هذا النمط من الدورات هو انخفاض معدل إتمام الدورة، وقد أظهرت بعض الدراسات، أن الدورات الدراسية يتم إكمالها بنسبة لا تتجاوز 10% من الأعداد الضخمة للطلاب الذين ينضمون إلى هذا النظام التعليمي.
تقنيات المستقبل
سمحت شبكة الانترنت العالمية ومحركات البحث العامة والمتخصصة، للطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء، بإنجاز البحوث والوصول إلى الموارد البحثية خلال مدة قصيرة جدًا، وهي مهمة كانت تستغرق في الماضي أسابيع أو أشهر، كما وفّرت أنظمة إدارة الدورات التدريبية للمدرسين إمكانية بناء مقاطع فيديو ورسومات أثناء الدروس، وإنشاء ساحات للحوار، وإجراء محادثات فيديو تفاعلية، وتخزين الدروس والواجبات، واسترجاعها بسهولة في أي وقت.
لكن ومع تزايد الاتجاه نحو التعليم الإلكتروني، واعتماده بشكل متزايد من قبل المؤسسات التعليمية حول العالم، تزداد الحاجة إلى تطوير هذه التقنيات والاعتماد على الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن توفرها الثورة الصناعية الرابعة، والمتمثلة بشكل أساسي بالذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز.
تعتبر الألعاب التعليمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من الاتجاهات الرئيسية المحيطة بالتعليم، نظرًا لقدرتها على إشراك الطلاب بطريقة جذابة أثناء تعليمهم، وتحسين تفاعلهم، ومن المتوقع أن تكون هذه التقنيات قادرة على تدريس مواضيع متنوعة، مثل الرياضيات واللغات والفيزياء والقانون والطب.
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحسين قدرتها على التعرف على الأصوات البشرية وفهمها، وذلك لتحسين مهارات المناقشة والإجابة على الأسئلة، ومساعدة الطلاب في أداء واجباتهم، حيث أصبحت الدردشات الصوتية أحدث اتجاهات التكنولوجيا في العديد من المؤسسات.
على سبيل المثال يقوم نظام الذكاء الاصطناعي “واتسون” من IBM بالإجابة على الأسئلة التي يطرحها الطلاب باللغة الطبيعة، يقوم واتسون بتحليل المدخلات على مستوى عميق لتقديم إجابات دقيقة على الأسئلة التي يولدها البشر.
يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الروتينية التي تزيد العبء على المعلمين، وتسريع المهام الإدارية والتنظيمية، مثل فحص الواجبات المنزلية، وتصنيف الأوراق، والنظر في سجلات الغياب، وإعداد التقارير، وإصدار النتائج، وهي مهام يقضي فيها المعلمون معظم وقتهم ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بها دون أخطاء في بضع دقائق فقط.
يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على رقمنة الكتب المدرسية، والمراجع، وإنشاء محتوى ذكي للطلاب قابل للتخصيص بحسب الفئات العمرية، ومساعدتهم في الحفظ والتعلّم.
كما يمكن الاستفادة من تقنيات الواقع الافتراضي في الحصص الدراسية المباشرة، وذلك بإنشاء قاعات اجتماع افتراضية تجعل المناقشات أكثر جاذبية ومرونة وتحاكي الاجتماعات المباشرة وجهًا لوجه، ويمكن للواقع المعزز أن يساهم بشكل واضح في التعليم الإلكتروني، من خلال التفاعل مع الصور والمجسمات بحيث تبدو وكأنها حقيقة، خصوصًا في مجال علوم الفضاء وعلوم الأحياء والتجارب الكيميائية.
أخيرًا إذا كانت جائحة كورونا بما فرضته من قواعد مؤقتة قد أثرت بشكل مباشر على اقتصاد العالم، وغيرت بشكل مؤقت كثيرًا من أنماط حياة المجتمعات خصوصًا في مجال العمل والتعليم، فإنه يتعين على المؤسسات التعليمية الآن أن تفكر بجدية أكبر في الاستثمار بالتعليم الإلكتروني والتدريب الافتراضي، لما يحققه من فوائد كبيرة للطلاب والمعلمين، وتذليل العقبات التي تقف حائلًا دون انتشاره، والاستفادة من التكنولوجيا لتوفير تعليم مرن ومنخفض التكلفة، مع المحافظة على جودته، وجودة مخرجاته.
منشور في مجلة لغة العصر الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية – عدد 235 يوليو/ تموز 2020
كن أول من يعلق على المقالة