لاتزال أصداء فضيحة “كامبردج أناليتيكا” التي طالت شبكة “فيسبوك” ومؤسسها “مارك زوكربيرج”، تتردد بقوة، حيث أصبحت قضية الخصوصية على الشبكة الاجتماعية الأولى في العالم، من أهم القضايا التي يتم تداولها سواء بين أصحاب الاختصاص أو عامة المستخدمين.
القضية التي فجّرها محلّل البيانات الكندي “كريستوفر وايلي” وكشف بدايةً عن اختراق بيانات نحو 50 مليون مستخدم على فيسبوك في مارس الماضي، أرخت بظلالها على شركة فيسبوك التي خسرت 58 مليار دولار من قيمتها السوقية في أسواق المال الأمريكية، وذلك خلال الأسبوع الأول فقط، الذي تلا اعتراف مارك زوكربيرج وتأكيده لما كشفه “وايلي” بارتكاب أخطاء أدت لاختراق بيانات المستخدمين، واستخدامها لأغراض سياسية لدعم الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل أن موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم كشف فيما بعد أن العدد الفعلي للمستخدمين المتضررين من فضيحة “كامبردج أناليتيكا” هو 87 مليون مستخدم معظمهم من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دعا الكونجرس الأمريكي لطلب استجواب زوكربيرج فيما بعد.
كيف يحدث ذلك؟
لسوء الحظ، فإن ما تحصل عليه الأطراف الخارجية من معلومات تخصك، قد تم جمعها بموافقتك وقبولك، حيث أن معظم تطبيقات الهواتف الذكية تطلب من المستخدمين تصريحات للوصول إلى بياناتهم الشخصية، وبمجرد حصول التطبيق على هذه التصريحات، فقد يتم تداول بياناتك مع أطراف خارجية والاستفادة منها لأغراض تجارية أو إعلانية أو حتى لأغراض سياسية لمعرفة التوجه العام حول قضية معينة.
وبحسب دراسة نشرت العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، أشار الباحثان الأكاديميان نارسيو فالينا رودريجز وسريكانث سنداريسان، أنه من بين كل 10 هواتف ذكية هناك 7 منها تتداول بياناتها الشخصية مع أطراف ثالثة، ويسمح هذا لشركات الطرف الثالث تعقب نشاطاتك واهتماماتك والحصول على معلومات عن تحركاتك وتعقب مكانك، وغالباً مايتم الاستفادة من هذه البيانات لتوجيهك إلى منتج معين، أو إرسال إعلانات تهمك، أو تقديم خدمات ومنتجات بناءً على تحليل رغباتك ونشاطاتك السابقة.
فيسبوك وحرب الخصوصية
ولا يختلف الأمر في فيسبوك سواء على تطبيق الهواتف الذكية، أو على موقع الويب خاصته، فبالإضافة إلى البيانات التي يجمعها فيسبوك عنك من خلال ما تشاركه من صور ومنشورات ومقاطع مصوّرة، ومعلوماتك الشخصية ، وما تقوم بتصفحه على الموقع ذاته أو المواقع الأخرى، وذلك لتوجيه إعلانات محددة إلى صفحة اليوميات الخاصة بك، يقوم فيسبوك بمشاركة هذه البيانات مع تطبيقات خارجية تأخذ من المستخدم تصريحاً وأذونات خاصة قد تتعدى بياناته الشخصية إلى بيانات من هم في قائمة أصدقائه.
أقرب مثال إلى ذلك تطبيقات الألعاب والاختبارات الشخصية على فيسبوك، على سبيل المثال لا الحصر تطبيقات “من يشبهك” أو “عمرك الحقيقي” أو “من هو أقرب صديق لك”.
كما تتيح الكثير من المواقع الإلكترونية إمكانية تسجيل الدخول لمستخدميها ، للاستفادة من بعض الخدمات مثل الشراء أو إضافة التعليق أو تحميل الملفات أو المشاركة في منتديات النقاش، وذلك باستخدام حساب فيسبوك بدلاً من إنشاء حساب خاص في الموقع، وعلى الرغم من أن كثير من المستخدمين الذين لا يرغبون بتذكر حسابات وكلمات مرور كثيرة يفضلون ذلك، إلا أن هذا يعني حصول تلك المواقع على حق الوصول إلى حسابك، وتحليل بياناتك، والاستفادة منها، وحتى اختراقه إذا كنت قد منحت الإذن لمواقع غير مشهورة وغير موثوقة.
وقد أعلنت فيسبوك التي خسرت الكثير من قيمتها السوقية خلال الأسابيع التي تلت الفضيحة، عن خطة جديدة تتضمن عدة خطوات بدأت بتنفيذها بالفعل.
ولعل أبرز تلك الخطوات إزالة خيار كان يجعل بياناتك الشخصية عرضة للتطبيقات المتطفلة حتى في حال عدم استخدامك لأي من هذه التطبيقات، وكان ذلك يحصل إذا كنت تشارك معلوماتك الشخصية، وأحد أصدقائك يستخدم تطبيقاً يجمع هذه البيانات، الأمر الذي تتيح لكل من يرى معلوماتك أن يشاركها مع التطبيقات والألعاب والمواقع الإلكترونية التي يستخدمها.
كما بدأ فيسبوك قطع اتصال المستخدمين مع عدد كبير من التطبيقات التي تستخدم حساب فيسبوك لإدارة عمليات الدخول إليها، وحث المستخدمين على مراجعة اتصالهم مع التطبيقات والمواقع الخارجية ومراجعة المعلومات والأذونات التي تم منحها لهذه التطبيقات والمواقع.
ثورة الشك
وعلى الرغم من أهمية مراجعة الخصوصية ومتابعة نشاطك الدائم على المواقع الاجتماعية خصوصاً ومواقع الانترنت بشكل عام، إلا أن هذا الحذر لا يجب أن يتحول إلى شكوك ومخاوف تمنعك من الاستفادة من كثير من الميزات التي تمنحها الشبكات الاجتماعية لأصحاب الأعمال في التسويق والترويج ومتابعة العملاء، إضافة إلى ما تمنحه للأفراد من خدمات التواصل مع العائلة والأصدقاء، كل ماعليك القيام به هو بعض التقصي والبحث عن التطبيقات التي تستخدمها، واستخدام التطبيقات ذات السمعة المرموقة والوثوقية العالية، لا بأس من النظر إلى تقييم التطبيق وقراءة التقييمات السابقة قبل تحميله، إضافة إلى عدم منح المواقع الإلكترونية قليلة الشهرة إمكانية الوصول إلى حسابك، سيكون ذلك بالطبع أفضل بكثير من إغلاق حسابك، والعودة إلى عصور “ماقبل فيسبوك.”
نشر في مجلة “لغة العصر” الصادرة عن مؤسسة الاهرام في مصر
عدد حزيران / يونيو 2018
كن أول من يعلق على المقالة