تعتبر تجربة الإعلام الإلكتروني في سورية تجربة جديدة نسبياً، إذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول العربية، ومتأخرة كثيراً إذا ما قورنت بالتجربة العالمية في هذا المجال، وقد نشأت هذه التجربة وبدأت تظهر معالمها بشكل واضح، مع ظهور الصحافة الخاصة وصياغة قوانين جديدة في مجال الصحافة السورية، وكذلك دخول شبكة الانترنت في سورية مرحلة توسع وانتشار عددي على الأقل رغم الصعوبات التقنية الكبيرة التي ما تزال تعترضها.
وهنا لا بد من التمييز بدايةً بين المواقع الإلكترونية للصحف اليومية والمجلات الدورية، والتي تكون نسخة إلكترونية للنسخة الورقية، وإن كانت لا تخلو من بعض التفاعل مع الزوار عن طريق التعليقات ولو بشكل محدود كما تفعل صحيفة “الثورة” السورية، وبين المواقع الإخبارية الإلكترونية التي تبث أخبارها بشكل إلكتروني فقط ليس له نسخة مطبوعة، وهذه المواقع تتميز بأنها تقوم بتحديث أخبارها بشكل غير دوري، ولا يخضع لتوقيت محدد للنشر، أو لفترة تحديث كاملة، وسنركز في موضوعنا على هذا النوع من المواقع الإلكترونية ولو بشكل عاجل، نركز فيه على جانب الحرية التي تقدم هذه المواقع من خلالها أخبارها وخاصة على الجانب السياسي، على أن يكون هذا الموضوع مستقبلاً محوراً لدراسة مستفيضة في هذا المجال.
الحياد والاستقلالية:
يؤكد معظم رجال الإعلام والصحافة أن لا حياد في الإعلام، ويعتبر الدكتور فيصل القاسم وهو مقدم لبرامج حوارية في قناة الجزيرة الفضائية أن الحياد الإعلامي وهم وخرافة ولا وجود له إلا في كتابات المفكرين والمنظرين، فحتى في الدول الغربية التي سبقتنا في مجال الحريات الصحفية فإن مراكز صنع القرار ما تزال تسيطر على وسائل الإعلام بكافة أشكالها، كما عبر عن ذلك الكاتب والصحفي المصري “محمد حسنين هيكل” بعبارته الشهيرة (مافيش إعلام لوجه الله).
من هذا المنطلق نستنتج أن مفهوم الاستقلالية قد ينطبق على وسائل الإعلام أكثر من مفهوم الحرية والحياد الإعلامي، فرغم أن وسائل الإعلام الخاصة قد تكون مستقلة مالياً وإدارياً عن مراكز السلطة، إلا أنها لا تستطيع أن تكون مستقلة عن سياسة البلد الذي تبث منه أخبارها، أو البلد الذي يصل إليه بثها هذا، وهذا ما يميز برأيي الإعلام الإلكتروني في سورية، نتيجة عدم وجود قانون مطبوعات يواكب متطلبات العصر، وكذلك العقلية الأمنية التي مازالت تمثل مراكز قوة في صنع القرار.
البداية:
بدأت المواقع الإخبارية بداية خجولة ومحدودة الانتشار، فكانت البدايات الأولى مع نشرات بريدية توزع على المشتركين، وكذلك بعض المواقع الإلكترونية التي كانت تمثل الجانب الآخر من الحياة السياسية في سورية، حيث وجدت هذه المواقع نهماً لدى القارئ السوري في متابعة أخبار كثيرة ظلت ممنوعة عليه، ففضاء الإنترنت، رغم القيود الكبيرة التي فرضت عليه، بقي ملاذاً كبيراً وجد فيه المواطن السوري الكثير مما لم يعتد على قراءته أو سماعه فيما يخص الواقع السياسي في سورية.
وكان للتطور التقني دوراً كبيراً في تنمية وتطوير هذه التجربة، فظهور تقنيات جديدة في تصميم هذه المواقع الإلكترونية، يتيح للزائر التعليق على الأخبار وطرح التساؤلات والتفاعل مع الكاتب، أدى إلى مزيد من الإقبال عليها، وبدا واضحاً حاجة القارئ إلى مساحة للتعبير عن رأيه، وإن كان معظم هذا التعبير يتم بأسماء مستعارة وعناوين وهمية.
وكان لتطور الأحداث في المنطقة وخاصة الحرب على العراق واغتيال رفيق الحريري وما رافقها من تهديدات لسورية، وكذلك الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، دوراً كبيراً في الإقبال المتزايد على هذه المواقع وظهور مواقع إخبارية جديدة استطاعت بفترات قصيرة كسب عدد كبير من الزوار والمتابعين، واحتل بعضها مراتب متقدمة على الشبكة العالمية
ماذا قدمت:
لقد كان لهذه المواقع الإخبارية دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر وإتاحة الفرصة أمام القارئ للاختيار بين وسائل متعددة، كما مكنت الكثيرين من التعبير عن أفكارهم عن طريق نشر مقالاتهم التي لا تجد مكاناً لها على صفحات المطبوعات الحكومية، وأتاحت المجال لعدد من المحررين (المختصين وغير المختصين) من العمل ضمن المجال الإعلامي، كما شكل قفزة نوعية في صناعة المعلومات، ويبدو هذا واضحاً من خلال المقارنة بين التقنيات المستخدمة في هذه المواقع ومثيلاتها التي تمثل الصحف الحكومية والتي ما زالت تعاني ضعفاً واضحاً في المجال التقني.
ويذهب البعض إلى أن المواقع الإخبارية في سورية لم تقدم الكثير الذي يتمناه المواطن السوري، فهي لا تستطيع أن تخرج عن الواقع السياسي والأمني الذي يسيطر على البلد، إضافة إلى أن مقص الرقيب وشبح الإغلاق يشكل هاجساً كبيراً لدى معظم هذه المواقع، ومعظم ما تطرحه هذه المواقع لا يتجاوز الدور الرقابي الذي تقوم به الصحف الرسمية مثل التحدث عن الغلاء والفساد بين المسؤولين، والواقع المعيشي والتعليمي في المحافظات، دون أن يمس ذلك الحياة السياسية، ودون أن تشكل هذه الوسائل الإعلامية قوة ضغط حقيقية على الحكومة من أجل الإصلاح والتغيير.
كما يرى آخرون أنه رغم الإمكانيات التفاعلية التي منحتها هذه المواقع لزوارها في التعليق على الحدث والتفاعل معه، إلا أن معظم هؤلاء الزوار مازال يتنكر بأسماء مستعارة، أو يتعامل مع الإنترنت من أماكن عامة خوفاً من تتبع رقم هاتفه وعنوان منزله، إضافة إلى أن هذه التعليقات تخضع رقابياً لمشرف الموقع الذي يتحكم بإظهارها وتعديلها حسب سياسة الموقع.
ولم تنجو هذه المواقع من المتشككين والمظننين الذين يرون فيها واجهة إعلامية جديدة للجهات الأمنية والاستخباراتية، ويذهب آخرون إلى أكثر من ذلك فيتهمونها بأنها وسائل وأدوات لتنفيذ مخططات ومؤامرات لجهات معادية.
في ضوء ما سبق نرى أن هذه المواقع الإخبارية السورية هي ظاهرة تستحق الوقوف طويلاً أمامها والعمل على تطويرها، ومنحها هامشاً كبيراً من الحرية، كي تشكل مع الإعلام الرسمي واقعاً جديداً وتترك بصمتها المميزة في الإعلام السوري، وتشكل حالة تشاركيةً بين المواطن السوري وبين الجهات المسؤولة، إضافة لكونها وعاءً معرفياً يحتاجه الفرد في عصر أصبحت فيه المعلومة هي أداة ثورة معرفية ضخمة قادمة يجب ألا نتخلف عنها كما تخلفنا عن الثورة الصناعية في القرن الماضي.
زاهر هاشم
دمشق
29/4/2007
كن أول من يعلق على المقالة