تجاوز المحتوى

صحافة الروبوت .. الذكاء الاصطناعي يقود صحافة المستقبل

يشير مصطلح “صحافة الروبوت” (Robot Journalism) إلى التقنيات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في توليد مقالات إخبارية اعتمادًا على نماذج مسبقة وبيانات ضخمة يتم تزويد البرمجيات بها، ليتم تحليلها والتعلم الآلي منها، والاستفادة منها في إنتاج أخبار ومقالات وتقارير بسرعة قياسية دون الاعتماد على العامل البشري.

كما يشير مصطلح “صحافة الذكاء الاصطناعي” (AI Journalism) إلى توظيف وسائل الإعلام تقنيات الذكاء الاصطناعي والابتكارات التي جلبتها الثورة الصناعية الرابعة، مثل تقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد عالية الدقة، والانترنت فائق السرعة، وانترنت الأشياء، والروبوتات، لإنتاج المحتوى الإعلامي الخاص بها، وأداء مهام معينة في صناعة الخبر.

ويمكن باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إنتاج نشرات إخبارية مدارة بشكل كامل بدون تدخل بشري، فباستخدام الروبوتات الموجودة في مكان الحدث يمكن نقل الصوت والصورة بكفاءة عالية، وهو ما يشكل نقلة نوعية في عمل المراسل الإخباري خصوصًا في مناطق الحروب، والأماكن الخطرة كأعالي الجبال أو أعماق المحيطات، ومناطق الكوارث الطبيعية كالزلازل والحرائق.

كما نجحت الروبوتات بقراءة نشرات الأخبار بصوت بشري طبيعي، وأداء يحاكي الأداء البشري، والأكثر من ذلك فقد استخدمت أيضًا في إدارة الندوات والحوارات التلفزيونية، وكذلك تم استخدامها في الترجمة الفورية والكتابة على الشاشة.

تجارب ناجحة

يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي القيام بالعديد من الأعمال التي كانت ترهق الصحفيين، مثل تحليل البيانات المالية والإحصائيات، وإنتاج تقارير سريعة عنها، على سبيل المثال تستخدم شركة الخدمات الإخبارية والمعلومات المالية العالمية “بلومبيرج” التكنولوجيا الآلية لتوليد نحو ثلث المحتوى الذي ينشره موقع بلومبيرج نيوز، وذلك باستخدام نظام خاص لمساعدة المحررين في نشر آلاف المقالات حول تقارير الأرباح، من خلال تحليل التقارير المالية فور صدورها وإنتاج قصة إخبارية فورية تتضمن أهم الحقائق والأرقام، بدقة كبيرة وسرعة متناهية. وتسعى “بلومبيرج” بذلك لتجاوز “رويترز” منافسها الأقوى في الصحافة المالية.

وتستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي إنشاء آلاف القصص الإخبارية لموضوع محدد، بأخطاء أقل مما يقوم به الصحفيون، وتعزز البيانات الضخمة الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها البحث عن المعلومات الصحفية وتحليلها وتوزيعها.

وكانت وكالة أسوشيتد برس من أوائل الشركات التي دخلت مجال صحافة الروبوت، وقد اعتمدت على البرمجيات الآلية لتوليد قصص إخبارية عن الدوري الرياضي، ورفعت الوكالة إنتاجها لتغطية تقارير الأرباح المالية من 300 مقالة كل ثلاثة أشهر إلى 3700 مقالة.

وتعد صحيفة لوس انجلوس تايمز رائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات إذ تعتمد في معلوماتها عن الزلازل على مصادر موثوقة مثل الهيئة الامريكية للمسح الجيولوجي، ومن ثم وضع تلك المعلومات في قوالب جاهزة لإنتاج القصة الخبرية.

ويستخدم هذا الابتكار في انتاج قصص أخرى اضافة إلى الزلازل مثل الجرائم في المدينة التي تتطلب فقط قرارًا من رئيس التحرير إذا ما كانت القصة بحاجة لتدخل بشري أم لا، كما يستخدم في كتابة الأخبار الرياضية ونتائج المباريات.

وتمتلك الواشنطن بوست روبوتًا خاصًا بها يدعى “هيليوجراف”  وقد نجح هذا الروبوت بتغطية الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2016 في البرازيل، والانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة.

وفي سويسرا قامت شركة تدعى “تاميديا” بكتابة 40 ألف خبر صحفي حول نتائج الانتخابات أيضًا وذلك باستخدام روبوت لتوليد النصوص يسمى “توبي” (Tobi)، وكتب “توبي” هذه المقالات خلال خمس دقائق تقريبًا، باستخدام خوارزمية خاصة سميت “شجرة القرار” والتي تضمنت نموذجًا أساسيًا لقصة إخبارية وضعها الصحفيون، حيث قام الروبوت بملء هذا النموذج بالحقائق والإحصائيات التي جمعها من خلال الانترنت.

وبحلول العام 2018 بدأت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) بناء نوع جديد من غرف التحرير تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات تسمى منصة “العقل الإعلامي”، وهي منصة تدمج الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار، وتحريرها، وتوزيعها، وكذلك تحليل التغذية الراجعة حولها من قبل الجمهور.

كما تستخدم مؤسسات إعلامية كبرى الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى غير توليد القصص الإخبارية، مثل استخدامه في تخصيص النشرات الإخبارية والإشراف على التعليقات وأرشفة الصور.

كشف الأخبار الزائفة

تساعد أدوات صحافة الروبوت أيضًا على كشف المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة من خلال إخضاعها للتحليل والمقارنة لإثبات صحتها، ومراقبة مصداقية المحتوى في وسائل الإعلام المختلفة، وإعداد تقارير أكثر دقة وشفافية، وتستخدم هذه الأدوات بشكل واضح في شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لمواجهة الأخبار الزائفة التي أثرت بشكل سلبي على مصداقية صانعي المحتوى، وكان لها تبعات اجتماعية وسياسية عالمية واسعة.

وتبذل منصات التواصل الاجتماعي جهودًا كبيرة في محاربة الشائعات والأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحديد الحسابات المزيفة والأخبار الكاذبة، والأخبار التي تهدف للربح فقط.

صحافة الروبوت ومستقبل الصحفيين

على الرغم من سيطرة الروبوتات على العديد من المهن والصناعات الأخرى، لا يزال العاملون في حقل الصحافة في جميع أنحاء العالم يشعرون بدرجة عالية من الأمان الوظيفي، لكن هل يتغير كل ذلك في وقت قريب بفضل صحافة الروبوت؟

إذا عدنا قليلًا إلى الوراء وتحديدًا في بداية الألفية الثالثة، فقد أثار ظهور الصحف الإلكترونية الكثير من المخاوف حول مستقبل الصحافة الورقية والعاملين فيها، حيث تحتاج الصحافة الإلكترونية إلى نفقات أقل وعدد أقل من المحررين والعاملين في إخراج الصحيفة، إلا أن الواقع كان مختلفًا، فقد عززت الصحافة الإلكترونية فرص العمل، وأتاحت المجال أمام كثير من الصحفيين لامتلاك وإدارة منصات إعلامية مستقلة، وتأمين المزيد من فرص العمل.

ويبدو الأمر ذاته عند الحديث عن مستقبل الصحفيين في عصر صحافة الذكاء الاصطناعي وصحافة الروبوت، حيث تذهب آراء بعض المختصين بأن الروبوتات لا تزال تواجه قصورًا يجعلها غير قادرة على التمييز وفهم الفوارق البسيطة أو قراءة ما بين السطور بنفس مقدرة الصحفي المتمرس، لذلك فمن المستبعد أن تحل قريبًا محل البشر.

كما يمكن النظر إلى الأمر من جانب الخدمات التي تقدمها صحافة الروبوت إلى المحررين والعاملين في الوسائل الإعلامية المختلفة، حيث تعتمد صحافة الروبوت على خوارزميات خاصة تقوم بتجميع وعرض البيانات والأفكار، وتحليلها، كي يتمكن المراسلون والمحررون من استكشافها واستخدامها بشكل أكثر كفاءة وجودة، والخروج بقصص إخبارية جديدة، أي أن هذه الأدوات سيتم تطويرها لتكمل جهود الصحفيين وترفع من أدائهم ولن تحل محلهم.

لقد باتت صحافة الروبوت واقعًا لا يمكن تجاهله، على الرغم من أنها لا تزال في طور النشوء والنمو، وإذا كانت مجالات صحافة الروبوت تقتصر حاليًا على القصص الإخبارية المتعلقة بالأحداث الرياضية والتحليلات المالية، وصحافة الخدمات، إلا أنه من المتوقع أن تتوسع آفاقها مستقبلاً لتشمل تغطية الموضوعات الإنسانية أيضًا.

وإذا كان القائمون على هذه الإنجازات يؤكدون أن استخدام الخوارزميات في العمل الصحفي لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، بقدر ما يتيح لهم تقديم نشاط صحفي متميز، من خلال توفير الوقت لهم للتصدي للقضايا المهمة، إلا أنهم بالمقابل ينوهون إلى أن هذه التقنيات تحتاج إلى التدريب الكافي، والخبرات الخاصة، لذلك يتوجب على المحررين أن يطوروا مهاراتهم في استخدام التقنيات الجديدة، كما يطورون مهاراتهم في التحرير.

منشور في العدد من مجلة “لغة العصر” – فبراير 2020

Published inإعلامرقميات

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.