زاهر هاشم *
أصبحت التجارة الإلكترونية واحدة من أسرع الصناعات نموًا في العالم، إذا ما قورنت بالصناعات الرقمية الأخرى سريعة النمو.
ووفقاً لشركة Statista للإحصائيات فقد بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم عام 2017 نحو 2.3 تريليون دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات التجزئة الإلكترونية إلى 4.88 تريليون دولار في عام 2021.
وقد أغرت هذه الأرقام آلاف رواد الأعمال للانتقال إلى عالم التجارة الرقمية بطرق مختلفة، سواء من خلال إطلاق شركاتهم الخاصة، أو استكشاف نماذج أعمال تدعم المتاجر الإلكترونية التشاركية.
وبالإضافة إلى عمليات البيع بالتجزئة والأعمال التجارية الموجهة إلى المستهلك (B2C)، يشمل مصطلح التجارة الإلكترونية أنواع أخرى من العمليات التجارية مثل مواقع المزادات على الانترنت، والخدمات المصرفية عبر الانترنت، وبيع التذاكر الإلكترونية، وغيرها.
ومع البدايات الأولى لعمليات التجارة الإلكترونية مطلع الألفية الجديدة، سادت مخاوف كثيرة تجاهها، وكانت هذه المخاوف منطقية ومبررة وخاصّة ما يتعلق بتسليم تفاصيل البطاقات الائتمانية إلى طرف خارجي، إضافة إلى الأمور المتعلقة بموثوقية المنتجات وضمان إعادتها في ظل غياب تشريعات واضحة تنظم العلاقات التجارية عبر الانترنت في ذلك الوقت.
وقد ساعد تطور أنظمة التشفير مثل SSL، وظهور خدمات دفع إلكتروني وسيطة موثوقة على تعزيز ثقة المستخدمين بالتجارة الإلكترونية، كما عدّلت الكثير من الدول تشريعاتها التجارية بحيث تنظّم عمليات التجارة الإلكترونية وتحافظ على حقوق المستهلكين وتحميهم من الغش والاحتيال.
مزايا التجارة الإلكترونية
تتميز عمليات التجارة الإلكترونية بمزايا كبيرة ساهمت في تطورها ودفعها إلى الأمام، أهمها الانتشار العالمي حيث تتجاوز التجارة الإلكترونية الحدود الجغرافية والحاجة إلى فتح فروع للمتجر بالقرب من المستهلكين.
كما يمكن من خلال المتاجر الإلكترونية التسوّق في أي وقت دون التقيد بساعات العمل اليومية المحدودة، إضافة إلى التوفير الكبير في النفقات والتكاليف مثل بدلات الإيجار والمرافق، والتجهيز والأثاث، وتوفير الأجور من خلال استخدام عدد اقل من العاملين، الأمر الذي يعود بالفائدة على المستهلكين، ويخفض أسعار المنتجات.
التخصيص والاستهداف لتقليل التكلفة
تحقق التجارة الإلكترونية زيادة في أرباح البائعين، نتيجة الاستهداف المناسب للجمهور، بناء على معايير جغرافية أو سكانية أو حسب الاهتمامات، وتوفير نفقات الإعلانات التقليدية التي قد تذهب إلى جمهور غير مستهدف.
تستخدم مواقع الإنترنت ملفات صغيرة تسمى “كوكيز” يمكن من خلالها رصد نشاط المستخدمين للموقع، وتسجيل عمليات البحث، ومصادر الزيارات، وبعض البيانات الشخصية، وتقوم مواقع التجارة الإلكترونية بالاستفادة من هذه البيانات لخدمة احتياجات العملاء بشكل أفضل، والتوصية بشراء منتجات جديدة اعتمادًا على سجل عمليات الشراء السابقة، وتوجيه الإعلانات المتوافقة مع سجلات البحث، بحيث يمكن استخدام سلوك العميل لتوجيهه إلى المنتج الأفضل والأكثر ملائمة لاحتياجاته.
وعلى الرغم من ازدياد المخاوف المتعلقة بخصوصية وأمن البيانات إلا أن الدراسات أظهرت أيضًا أن 57% من المتسوقين عبر الإنترنت مرتاحون تجاه توفير المعلومات الشخصية، ما دام ذلك يفيد بشكل مباشر في تعزيز تجربة الشراء.
مستقبل التجارة الإلكترونية
تطورت التجارة الإلكترونية مع التطور التقني وثورة المعلومات، وتشهد الشركات التي تتبنى استراتيجيات التجارة الإلكترونية نموًا سريعًا، حيث وصل عدد المشترين في عام 2017 إلى 1.66 مليار مشتر عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 2.14 مليار بحلول عام 2021.
ويعتبر الذكاء الاصطناعي من أبرز العوامل التي تعزز مستقبل التجارة الإلكترونية، حيث ستغزو الروبوتات المتاجر الإلكترونية، لتقديم خدمات التخزين والتوصيل بدقة وسرعة وكفاءة عالية، إضافة إلى استخدام برمجيات المساعد الذكي التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للقيام بمهام متعددة مثل إدارة المخازن، والتعامل مع المستخدمين.
وبحسب شركة «كابيلاري تكنولوجيز» المتخصصة في برمجيات تحليلات البيانات الضخمة والحلول السحابية فإن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في المواقع الإلكترونية والإعلانات الرقمية يؤدي إلى زيادة المبيعات بنسب تتراوح ما بين 30 إلى 50%.
وإذا كانت مواقع التجارة الإلكترونية تستخدم المعلومات التي تقوم بجمعها، لتخصيص تجربة المستخدم الشخصية، وتلبية احتياجاته، وجعل المواقع أكثر جذبًا للمشترين، فإن الذكاء الاصطناعي يوفر إمكانية الاستفادة من البيانات الضخمة لجميع المستهلكين الآخرين، وتحليل هذه البيانات، وتطوير نماذج لتحليل سلوك المستخدمين، والتنبؤ بعمليات الشراء، الأمر الذي يسهم في تقديم استراتيجية تسويق مفصلة على حسب المستهلك، وتطبيق بنية تسعير ديناميكية متكيفة مع البيانات التي تم جمعها، بالإضافة إلى أتمتة الحملات الإعلانية وإيصال الرسائل الإعلانية بشكل مناسب يحقق أكبر قدر من الاستجابة.
يمكن الاستعانة ببرمجيات المحادثة الذكيّة للقيام بدور موظف الدعم الفني وتقديم المساعدة للعملاء والقيام ببعض المهام التي لا تتطلب تدخل العنصر البشري، وعلى الرغم من حداثة هذه التقنية، إلا أنها مرشحة للتطور قريبًا لتصبح عنصرًا أساسيًا في عالم التجارة الإلكترونية، حيث تتطور هذه البرمجيات وتكتسب مهارات جديدة من خلال التعلم المستمر والاعتماد على محادثات العملاء السابقة وتحليلها، بما يسمح بالرد على معظم الاستفسارات والشكاوى وحتى مناقشتها، واقتراح الحلول الأفضل.
ومن الاتجاهات المستقبلية التي ستشهدها التجارة الإلكترونية، الاستفادة من تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد، وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، التي تسمح بمعاينة المنتج وتفقده بشكل كامل وكأنه في متجر حقيقي، حيث لم تعد الصور الثابتة الثنائية الأبعاد رغم دقتها العالية في معظم الأحيان، كافية لإبراز المنتج بشكله وحجمه الحقيقي، وإقناع المستهلكين بالشراء.
تسعى تقنية التصوير التفاعلي للمنتج إلى تقديم تجربة ملموسة للمستهلكين عبر الإنترنت وتخفيف ترددهم قبل الشراء.
تحديات التجارة الإلكترونية العربية
تنمو التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية بوتيرة سريعة، ساعد في ذلك قيام شركات الدفع الإلكتروني بتطوير حلول لمنع الاحتيال، واستحداث بطاقات إلكترونية مسبقة الدفع خاصة بالشراء عبر الإنترنت، إضافة إلى قيام بعض الشركات التجارية بطرح خدمة الدفع عند الاستلام، بهدف تعزيز الثقة بين البائع والمشتري، هذه العوامل شجعت المستخدم العربي نوعاً ما على التسوق الإلكتروني وإجراء الدفع عبر الانترنت.
على الرغم من ذلك تعتبر الاسواق الإلكترونية العربية أسواقًا ناشئة في طور النمو، ولعل أبرز التحديات التي تواجهها عدم وجود الأطر القانونية للتجارة الإلكترونية التي تنظم حقوق البائع والمشتري على غرار التجارة التقليدية، إضافة إلى ضعف البنية التحتية فيما يخص الخدمات البريدية والتوصيل وعدم وجود عناوين بريدية واضحة في كثير من البلدان العربية.
كما تعاني بلدان عديدة من عدم المرونة في عمليات الدفع الإلكتروني واستخدام بطاقات الائتمان، بسبب القوانين المصرفية فيها، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتحويل والتعرفة الجمركية المرتفعة بين البلدان العربية.
إن عدم الثقة في بوابات الدفع الإلكتروني، والخوف من الاحتيال، من أبرز العوامل التي تعيق تطور التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية، ورغم النمو الذي تشهده الأسواق التجارية الإلكترونية العربية، ووصول بعضها إلى العالمية، إلا أن هذا النمو لا يتناسب حتى الآن مع حجم مستخدمي الانترنت العرب.
تم نشر المقال في مجلة لغة العصر – مؤسسة الأهرام – عدد 224 أغسطس 2019
كن أول من يعلق على المقالة