زاهر هاشم *
على الرغم من أن ظاهرة الأخبار الزائفة والمفبركة ليست بالظاهرة الجديدة، حيث ترتبط تاريخياً بظهور وسائل الإعلام، إلا أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة، والتطور التقني الكبير الذي شهدته العقود الأخيرة في مجال الاتصالات، وسرعة نقل المعلومات، كل هذه العوامل شكلت بيئةً آمنة تنتشر وتروج من خلالها الشائعات والأخبار الزائفة والمضلّلة بهدف تحقيق مكاسب.
كما عزز الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، مشكلة انتشار الأخبار الزائفة، وانتشار الصور ومقاطع الفيديو المفبركة والمجتزأة من سياقها، وشكلت مواقع التواصل الاجتماعي تحدياً كبيراً أمام المجتمع والسلطات، كونها غير خاضعة الرقابة والتدقيق على غرار وسائل الإعلام التقليدية، ما جعلها تربةً خصبةً لنشر الأخبار الزائفة والمضللة.
وقد شكلت ظاهرة الأخبار الزائفة تحديّاً عالميّاً وطفت إلى السطح بشكل بارز بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة نهاية عام 2016، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى مواقع التواصل الاجتماعي في تسهيل نشر قصص مزيفة بهدف التأثير على نتائج الانتخابات، واتهام أجهزة خارجية بالضلوع بالأمر، هذه القضية التي لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن.
ويرى عالم النفس الدكتور “كيث آبلو” أن نشر وتصديق الأخبار المفبركة ظاهرة لها جذورها الثقافية القديمة، لكن منصات التواصل الاجتماعي جعلتنا هدفاً أسهل وسلبتنا الوقت الكافي للتحقق من الأخبار بسبب سرعة وكثافة الشبكات الاجتماعية”.
الأخبار الزائفة وهدفها
يرى الباحث الفرنسي جان-نويل كابفيرير أن الشائعات تنتشر في كل مكان بغض النظر عن طبيعة البيئة التي تحكم حياتنا الاجتماعية، ويشير في كتابه (الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم) إلى تقارب التعريفات التي قدمها الباحثون لمصطلح الشائعة، والتي تتفق في اعتبار الشائعة معلومة تضيف عناصر جديدة إلى شخص ما أو حدث حالي، كما أن الغرض من الشائعة هو أن يتم تصديقها، ففي العادة لا تسرد الشائعة بغية التسلية، بل ترمي إلى الإقناع.
كما تعّرف شبكة الصحافة الأخلاقية مصطلح الخبر الزائف بأنه “خبر مختلق عمداً يتم نشره بقصد خداع طرف آخر وحثه على تصديق الأكاذيب أو التشكيك في الحقائق التي يمكن إثباتها”.
فالأخبار الزائفة والشائعات غالباً ما تنتشر بهدف التصديق والإقناع، وذلك لتحقيق غايات ومكاسب قد تكون مالية، أو لإبراز مواقف معينة، كما قد يلجأ بعض السياسيين لتسويق أجنداتهم ومشاريعهم عبر تضليل الرأي العام، من خلال إشاعة أفكار كاذبة بين المواطنين، وبمساعدة مؤسسات علاقات عامة متخصصة بالدعاية السياسية، أو من خلال ما بات يعرف بـ”الجيوش الإلكترونية” التي تعمل على تسويق الأفكار والهيمنة على الواقع الافتراضي.
الأخبار الزائفة أسرع انتشاراً
أظهرت دراسة أعدّها مجموعة من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الأخبار الزائفة تنتشر على تويتر بشكل أسرع، وأنها تصل إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالأخبار الحقيقية، كما أن الدراسة وجدت أيضاً أن الروبوتات ليست المسئول الأول عن انتشار الأخبار الزائفة، حيث أن البشر هم من يقومون أكثر بنشر أخبار غير دقيقة ومعلومات خاطئة.
وترى الجارديان البريطانية، أن “سهولة الوصول إلى عائدات الإعلانات عبر الانترنت، وزيادة الاستقطاب السياسي وشعبية وسائل الإعلام الاجتماعي، كلها عناصر متورطة في انتشار الأخبار الزائفة”.
ويرى جيروم بوفييه رئيس جمعية الصحافة والمواطنة الفرنسية في حوار لصحيفة “الشرق الأوسط” أن “عدم إتاحة المعلومات بشكل سريع عبر منصات الإعلام التقليدية تسبب في اعتماد المتابعين والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول للأخبار، ومن المؤكد أن الكثير من تلك الأخبار والمعلومات تكون زائفة ومضللة”.
ويشير الخبراء إلى أن ردة فعل المتلقي تكون أكثر عاطفية وتأثراً تجاه المواقف الصادمة والمفاجئة والمشحونة بالكراهية، ما يعزز انتشار الشائعات والأخبار المفبركة والكاذبة، إضافة إلى الموقف الشخصي تجاه قضية ما، حيث يميل الأشخاص لسماع وتصديق الأخبار التي تدعم موقفهم تجاه قضايا تهمهم، ونتيجة لذلك يتبون هذه الأخبار ويساهمون بنشرها.
كما عززت المصادر المجهًّلة والأسماء المستعارة على مواقع الانترنت التفاعلية كالمنتديات والشبكات الاجتماعية التي تشكل الجيل الثاني للويب (ويب 2.0)، غياب ضوابط الحوار وأخلاقياته، وولدت شعوراً بعدم المحاسبة، ما عزز بدوره انتشار الشائعات والأخبار الملفقة والزائفة.
كما يلعب الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة دوراً كبيراً في انتشار الأخبار الزائفة، من خلال تحليل بيانات مستخدمي الشبكة الاجتماعية وتوجيه الأخبار بحيث تحقق أكبر قدر من التركيز على فئات مهتمة، ما يجعلها أكثر قابلية للانتشار بأسرع الطرق وأقل التكاليف، عدا عن الدور الذي تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في تلفيق مقاطع فيديو لشخصيات عامة بحيث تحقق تطابقاً كاملاً في الصوت والصورة، واختلاق أحاديث لهذه الشخصيات بهدف تشويه سمعتها وتحقيق مكاسب متعددة.
كما تقوم برمجيات محددة بعمليات نشر تلقائي على شبكات التواصل الاجتماعي وجلب آلاف المتابعين والإعجابات والمشاركات الوهمية، وزيادة التفاعل الوهمي، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأنها ردود فعل حقيقية وبالتالي تدفع المستخدم لقراءتها وربما تصديقها وتبنيها فيما بعد.
نقاش وجدل وفيسبوك المتهم الأول
لقد أصبحت الاخبار الزائفة مثار جدل ونقاش كبيرين، نظراً لتأثيرها السريع والواسع، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي، ونظراً للزخم الكبير الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي وما تحتويه من كم هائل من البيانات والمعلومات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها ملايين المرات بشكل يومي.
وتشير أصابع الاتهام إلى موقع “فيسبوك” بشكل أساسي، حيث ذكرت شركة “جمب شوت” للتحليلات أن المواقع الوهمية نهاية 2017 كانت قد حصلت على أكثر من 70% من حركة المرور الخاصة بها، من خلال مستخدمين قادمين من موقع “فيسبوك” فقط، ما جعل الأخير يلجأ إلى عدد من الأدوات التقنية الجديدة لتحييد الأخبار الكاذبة، وإضافة خصائص تسهل على المستخدمين الإبلاغ عن المقالات الزائفة من خلال التعاون مع مؤسسات صحفية وعالمية متخصصة.
أخيراً فإن الطريقة الأفضل لوقف انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي تثقيف الجمهور وزيادة وعيه تجاه القضايا المختلفة، وتزويده بالمعلومات الصحيحة بشكل سريع وشفاف، ليتمكن من تقييم المنشورات والمقالات والقصص التي يشاهدها على وسائل التواصل الاجتماعي ويميز بشكل صحيح بين ما هو حقيقي وما هو مزيف.إعلامي سوري متخصص في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي
نشر في مجلة “لغة العصر” الصادرة عن مؤسسة الاهرام في مصر
فبراير 2019
كن أول من يعلق على المقالة