زاهر هاشم
ترتبط حياة الإنسان ارتباطاً وثيقاً بالبيئة، وهي الوسط الذي نعيش فيه ونؤثر ونتأثر به، وتعتبر قضايا البيئة والتنمية المستدامة والمشكلات البيئية الناتجة عن نشاط الإنسان، والأخطار التي تهدد الكائنات الحية، ومصادر الطاقة والغذاء، من الموضوعات الرئيسية التي تشغل العالم، والتي دُقت لها نواقيس الخطر مع ازدياد مخاطر تغير المناخ ونقص الموارد واختلال التوازن البيئي.
وقد أصبحت العلاقة بين الإنسان والبيئة محطّ اهتمام الكثير من الدراسات والأبحاث البيئية، إضافة إلى تزايد الاهتمام بضرورة زيادة الوعي تجاه قضايا البيئة وحمايتها والحفاظ على مواردها للأجيال القادمة.
وبرز في العقود الأخيرة دور وسائل الإعلام في توعية الجمهور بالحفاظ على البيئة والحث على ممارسة أسلوب حياة يحافظ على الموارد الطبيعية من خلال ترشيد استخدام المياه والطاقة والحث على استخدام أساليب تضمن مواصلة التطور الصناعي والتكنولوجي وتلبية احتياجات الإنسان في الوقت الحاضر، واستمرار عجلة التنمية بشكل مستدام دون المساس بالموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
أدى ذلك إلى ظهور فرع متخصص من الإعلام هو الإعلام البيئي الذي يوجّه رسالته لخدمة قضايا البيئة وتسليط الضوء على المشكلات البيئية وآثارها، والتوعية بأخطارها، مستخدماً بذلك الوسائل والقنوات التقليدية للإعلام للوصول إلى الجمهور المستهدف.
ويهدف الإعلام البيئي إلى إيضاح وتبسيط المفاهيم البيئية وتشكيل وعي بيئي لدى الجماهير، وتسليط الضوء على المشكلات البيئية القائمة، وطرق وأساليب حلها، والتوجه بخطاب إعلامي إلى أصحاب المصلحة وأصحاب القرار لحثهم على اتخاذ القرارات والإجراءات التي تكفل حماية البيئة والحد من استنزاف مواردها والحد من الآثار الضارة الناتجة عن التدهور البيئي.
الإعلام الأخضر: فيسبوك في الطليعة
ومع تطور وسائل الاتصال الحديثة وتنامي استخدام شبكة الانترنت كوسيط واسع الانتشار لنقل الأخبار والمعلومات وظهور مصطلح الإعلام الجديد وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان للإعلام البيئي نصيب كبير من هذه الثورة التقنية وبرز مصطلح الإعلام البيئي الإلكتروني أو الإعلام الأخضر، والذي يشترك مع الإعلام التقليدي بالأهداف والرسائل لكنه يعتمد على التقنيات الحديثة وخدمات الويب والتطبيقات والمواقع الاجتماعية، بحيث يمكن الاستفادة والدمج بين الشكل التقليدي للرسائل الإعلامية والميزات التي أتاحتها وسائل الإعلام الجديد، مثل الانتشار الواسع، والتفاعلية، واستخدام الوسائط المتعددة لإيصال رسائل أكثر فاعلية وأكثر إقناعاً.
كما أن وسائل الإعلام الجديد أتاحت لفئات جديدة إمكانية ممارسة دورها في نشر الوعي البيئي ولفت الانتباه إلى القضايا البيئية، فلم يعد هذا الدور مقتصراً على الوزارات والهيئات الرسمية بل تعداه إلى الأفراد ومنظمات المجتمع المدني والباحثين والإعلاميين والكتّاب والمدونين.
وبرزت على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك ويوتيوب وتويتر، عدد من القنوات والصفحات التي تطرح قضايا ومشكلات بيئية من خلال تقديم المعلومات والأخبار المتعلقة بالبيئة ومشكلاتها، والدعوة إلى نشاطات وحملات تطوعية، وتكوين الوعي البيئي لدى المستخدمين، حيث يتوفر على شبكة فيسبوك قاعدة كبيرة ممن يمكن إشراكهم في قضايا البيئة والتنمية.
وتوصلت دراسة أجرتها قبل عدة سنوات الباحثة “فتيحة كيحل” بعنوان “الإعلام الجديد ونشر الوعي البيئي” إلى أن نسبة عالية من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين شملتهم الدراسة يستخدمون موقع فيسبوك بشكل منتظم، وقد أقر المبحوثون وبنسبة عالية أن فيسبوك يساهم في نشر الوعي البيئي لديهم، حيث يلعب أدواراً متعددة لا تقتصر على الدور الاجتماعي الترفيهي، بل يتجاوزه إلى أدوار أخرى أكثر فاعلية، حيث بات وسيلة للاطلاع على المعلومات والأخبار إلى جانب دوره التوعوي في شتى المجالات، وخلصت الدراسة إلى أن فيسبوك يساهم في بلورة ونشر الوعي البيئي لدى جماهير المستخدمين باعتباره واحداً من تطبيقات الإعلام الجديد بصفة خاصة والتي يمكن توظيفها لخدمة الإعلام البيئي.
مواقع خضراء في خدمة التنمية
وبالإضافة إلى الدور الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة البيئية وتكوين الوعي تجاه القضايا والمشكلات البيئية، برز أيضاً في مجال الإعلام الجديد دور واضح لمواقع الانترنت والمدونات والمواقع الإخبارية في تحقيق أهداف الإعلام البيئي وإيصال رسالته.
وعلى الرغم من دخول عالمنا العربي عصر الانترنت بشكل متأخر، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ازدياد عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي بشكل متزايد، وأصبحت اللغة العربية في المرتبة الرابعة كإحدى أكثر اللغات العالمية استخداماً على شبكة الانترنت بعد الإنجليزية والصينية والاسبانية، وتضاعف عدد مستخدمي هذه اللغة بشكل متزايد بحسب تقرير أعدته مجلة “البيئة التنمية” الصادرة عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية ويتناول التقرير دراسة عن المواقع الإلكترونية الخاصة بوزارات البيئة في الدول العربية.
وبحسب التقرير يقدر الاتحاد الدولي للاتصالات، أن نسبة من يستخدمون الانترنت في العالم العربي وصلت عام 2015 إلى نحو 37% وتتجاوز هذه النسبة 90% في بعض دول الخليج العربي.
ومع هذا التطور الكبير في استخدام شبكة الانترنت وتزايد انتشار مواقع الانترنت باللغة العربية، كان للمواقع البيئية العربية نصيب كبير في هذه الثورة التكنولوجية، ولم تعد مصادر المعلومات البيئية تعتمد فقط على المواد المتاحة باللغة الإنجليزية، ما أتاح وصولها إلى فئات واسعة كانت اللغة تشكل حاجزاً دون وصول المعلومات إليهم.
وتتنوع مواقع الانترنت “الخضراء” على الشبكة بين مواقع حكومية تابعة للوزارات المعنية بالشأن البيئي، ومواقع تابعة لجمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية محلية أو إقليمية، إضافة إلى مواقع إخبارية متخصصة بالشأن البيئي، وبينما تركز المواقع الحكومية على تغطية الأخبار والفعاليات البيئية الرسمية على المستوى المحلي، ونشر تقارير المؤسسات البحثية، والإشارة إلى المشاريع البيئية والقوانين والتشريعات المحلية، تركز مواقع المنظمات غير الحكومية على النشاطات التطوعية والبرامج والمبادرات البيئية، ونشر أخبار المنظمة، فيما تركز المنصات والمواقع الإعلامية البيئية على توفير المعلومات والأخبار المباشرة، والتوعية البيئية من خلال النشرات والصور والأفلام، ومتابعة آخر المستجدات العالمية والإشارة إلى التقنيات الحديثة والمنتجات الصديقة للبيئة وما يتعلق بصحة الإنسان وما يهدد حياته من أمراض وكوارث.
كما نشير في هذا المجال أيضاً إلى المواقع الدولية التي تقدم معلومات باللغة العربية، وهي مواقع تقدم فائدة كبرى لما تحتويه من محتوى كبير من المعلومات، وتتبع هذه المواقع منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، وتتضمن الكثير من الوثائق والمقالات والأبحاث المترجمة إلى اللغة العربية، والإحصائيات البيئية والمعاهدات الدولية المختصة بالبيئة، والمشاريع البيئية، ما يجعلها ذات فائدة عظيمة للدارسين والباحثين في قضايا البيئة والتنمية والدراسات المتعلق بالمياه والتربة والزراعة والأغذية والطاقة والتنمية المستدامة.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام الإلكتروني البيئي لا يزال يعاني من مشكلات عديدة أبرزها ضعف التمويل والإمكانيات بالنسبة للمواقع والمبادرات التي يقودها الأفراد والجمعيات الأهلية، ما يؤدي إلى إهمال هذه المواقع وعدم تحديث محتوياتها بشكل مستمر، إضافة إلى أن دور الإعلام البيئي في كثير من الأحيان قد لا يتعدى بعض المناسبات الدولية والمحلية الخاصة بالبيئة، أو عند حدوث أزمة أو كارثة بيئية، عدا عن أن موضوعات البيئة لا تحتل سلم أولويات الجمهور، حيث يعتبر الكثيرون ذلك “ترفاً فكرياً” في ظل مشكلات معيشية وظروف سياسية حرجة تشهدها المنطقة العربية.
إن الإعلام البيئي الإلكتروني أداة فاعلة في التربية البيئية ونشر الثقافة البيئية والتوعية بالمشكلات المحيطة، لما يتمتع به من مزايا كبيرة تتمثل في المرونة وسرعة الانتشار وتوجيه وتعديل الرسالة الإعلامية حسب الظروف والاحتياجات، إضافة إلى ما يتمتع به من جمهور واسع، بحيث يمكن الاستفادة من هذه الميزات في تعزيز التفاعل والحوار لمناقشة القضايا وتوجيه السلوك الفردي نحو سلوك أكثر استدامة، بما يحقق حياة أفضل للفرد والمجتمع.
نشر في مجلة “لغة العصر” الصادرة عن مؤسسة الاهرام في مصر
أبريل 2019
كن أول من يعلق على المقالة