أثناء تجوالكم على المحطات الفضائية لا بد أن تستقر أجهزة التحكم على عدد من المحطات الفضائية العربية الحديثة نسبياً من حيث فترة إطلاقها، والجديدة من حيث نوعية البرامج التي تسوقها للمشاهدين.
فبعد أن أصبحت برامج تلفزيون الواقع، وبرامج الدردشة والأغاني والرسائل القصيرة والمسابقات التي تمتد لعدة أيام على وقع دلع وخفة مقدمات البرامج، مع جوائز تصل إلى عشرات الألوف من الدولارات، بعد أن أصبحت كل هذه البرامج مستهلكة ومملة أحياناً ومتكاثرة بشكل مطرد بحيث لا يوجد مكان لمنافس جديد، كان لابد للمحطات الفضائية الجديدة أن تبحث عن تسويق جديد يحقق كسب ثقة المشاهد من جهة، ودعم وتمويل المحطة مالياً وإعلامياً من جهة أخرى.
وكان لتلك المحطات أن اعتمدت على نوع جديد من البرامج، يمس بشكل مباشر جملة من المفاهيم التي اكتسبها المشاهد العربي عن الجن والخيال والقوى الخفية والماورائيات والتي ارتبطت بشكل كبير بمفاهيم دينية غالباً ما يشوبها الجهل والفهم الخاطئ.
فإحدى المحطات تسوق شخصاً على أنه أعجوبة من أعاجيب العالم السبع وأخرى تقدم شيخاً آخراً على أنه المخلص من كل داء وعلة ويتكاثر هؤلاء الشيوخ يوماً بعد يوم، ويظهرون بشكل جديد يختلف عن الشكل التقليدي المعروف، حيث غابت اللحية الطويلة والعمامة والعباءة واللغة العربية الفصيحة، وحل مكانها نموذج جديد لشيخ بملابس عصرية وتسريحة شعر حديثة وطريقة مختلفة في الخطاب والمحادثة تصل أحياناً لمخاطبة المتصلات بعبارات مثل (حبيبتي وعيوني)، ولا يغيب عن الذكر أيضاً مقدم البرامج أو مقدمته بكل ما تحمله من دلع وغنج وموضة.
فإذا كنت في ضائقة مالية أو تعب نفسي أو علة جسدية أو تأخر في الزواج أو الإنجاب، فكل ما عليك فعله هو أن تتصل بأحد هؤلاء الشيوخ وتعلمه فقط باسمك واسم والدتك، وسيتصل مباشرة بأسياد العالم السفلي، ليعطيك الحل السحري لمشكلتك ويحلل لك شخصيتك ويذكرك بماضيك وحاضرك ويرسم لك مستقبلك بأقل من دقيقة واحدة دون أن تتكلف أي عناء سوى عناء الاتصال.
وغالباً ما تكون هذه الحلول السحرية مستقاة من القرآن الكريم، حيث يطلب منك الشيخ المعالج أن تقرأ على كأس ماء بعض الآيات القرآنية لعشرات أو مئات المرات وتشربه على فترات محددة من اليوم أو يكتب لك حجاباً ورموزاً وطلاسم لتضعها تحت فراشك، أو يعدك بأن يرسل لك أحد ملوك الجان ليخلصك من همك وكربتك في وقت قريب، وقد وصل الأمر بأحدهم أن طلب من إحدى المتصلات أن تقترب من شاشة التلفزيون ليبدأ بأداء بعض الحركات والإيماءات والألفاظ الغريبة فيما وصفه بأنه رقية شرعية.
فإذا كانت هذه المحطات مسؤولة بشكل كبير عن هذا النوع من التسويق الفكري والتجاري لهؤلاء الدجالين، فإن الجهل والتخلف والفهم الخاطئ للدين يلعب دوراً كبيراً في استمرارية هذا النوع من الإعلام، ولا بد من محاربته وتضافر الجهود ضده من قبل وسائل الإعلام الهادفة والمؤسسات التعليمية والتربوية والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية التي لها دور كبير في توضيح الحقائق والتأثير على المجتمع.
زاهر هاشم
4/4/2007
كن أول من يعلق على المقالة